كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} أَيْ: مِثْلُ هَذَا الْبَلَاءِ بِظُهُورِ السَّمَكِ لَهُمْ نَبْلُوهُمْ أَيْ نَخْتَبِرُهُمْ أَوْ نُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الْمُخْتَبِرِ لِحَالِ مَنْ يُرِيدُ إِظْهَارَ كُنْهِ حَالِهِ لِيَتَرَتَّبَ الْجَزَاءُ عَلَى عَمَلِهِ بِسَبَبِ فِسْقِهِمُ الْمُسْتَمِرِّ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَاعْتِدَائِهِمْ حُدُودَ شَرْعِهِ.
{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} أَيْ: وَاسْأَلْهُمْ عَنْ حَالِ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَالَتْ أُمَّةٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ كَيْتَ وَكَيْتَ تَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ بَعْضُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ لَا كُلُّهُمْ، وَأَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ، فِرْقَةُ الْعَادِينَ الَّتِي أُشِيرُ إِلَيْهَا فِي الْآيَةِ الْأُولَى، وَفِرْقَةُ الْوَاعِظِينَ الَّذِينَ نَهَوُا الْعَادِينَ عَنِ الْعُدْوَانِ وَوَعَظُوهُمْ لِيَكُفُّوا عَنْهُ، وَهِيَ الَّتِي أُشِيرُ إِلَيْهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِرْقَةُ اللَّائِمِينَ لِلْوَاعِظِينَ الَّتِي قَالَتْ لَهُمْ: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا قَضَى الله عَلَيْهِمْ بِالْهَلَكَةِ أَوِ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ، فَهُوَ إِمَّا مُهْلِكُهُمْ بِالِاسْتِئْصَالِ أَوْ بِعَذَابٍ شَدِيدٍ دُونَ الِاسْتِئْصَالِ، أَوِ الْمَعْنَى مُهْلِكُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَمُعَذِّبُهُمْ فِي الْآخِرَةِ- وَأَيًّا مَا كَانَ الْمُرَادُ فِي {أَوْ} هُنَا هِيَ الْمَانِعَةُ لِلْخُلُوِّ مِنْ وُقُوعِ أَحَدِ الْجَزَاءَيْنِ، لَا الْمَانِعَةُ لِجَمْعِهِمَا، فَهِيَ لَا تَنْفِي اجْتِمَاعَهُمَا. وَفِي الْآيَةِ مِنَ الْإِيجَازِ الْبَلِيغِ مَا لَا يُوجَدُ نَظِيرُهُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ.
{قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أَيْ: قَالَ الْوَاعِظُونَ لِلَائِمِينَ: نَعِظُهُمْ وَعْظَ عُذْرٍ نَعْتَذِرُ بِهِ إِلَى رَبِّكُمْ عَنِ السُّكُوتِ عَلَى الْمُنْكَرِ، وَقَدْ أَمَرَنَا بِالتَّنَاهِي عَنْهُ، وَرَجَاءً فِي انْتِفَاعِهِمْ بِالْمَوْعِظَةِ، وَحَمْلِهَا عَلَى اتِّقَاءِ الِاعْتِدَاءِ الَّذِي اقْتَرَفُوهُ. أَيْ فَنَحْنُ لَمْ نَيْأَسْ مِنْ رُجُوعِهِمْ إِلَى الْحَقِّ يَأْسَكُمْ.
{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} أَيْ فَلَمَّا نَسِيَ الْعَادُونَ الْمُذْنِبُونَ، مَا ذَكَّرَهُمْ وَوَعَظَهُمْ بِهِ إِخْوَانُهُمُ الْمُتَّقُونَ، بِأَنْ تَرَكُوهُ وَأَعْرَضُوا عَنْهُ حَتَّى صَارَ كَالْمَنْسِيِّ فِي كَوْنِهِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ أَيْ عَنِ الْعَمَلِ الَّذِي تَسُوءُ عَاقِبَتُهُ أَيْ: أَنْجَيْنَاهُمْ مِنَ الْعِقَابِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ فَاعِلُو السُّوءِ بِظُلْمِهِمْ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَحْدَهُمْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ أَيْ: شَدِيدٍ، مِنَ الْبَأْسِ وَهُوَ الشِّدَّةُ، أَوِ الْبُؤْسِ وَهُوَ الْمَكْرُوهُ أَوِ الْفَقْرُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ أَيْ بِسَبَبِ فِسْقِهِمُ الْمُسْتَمِرِّ لَا بِظُلْمِهِمْ فِي الِاعْتِدَاءِ فِي السَّبْتِ فَقَطْ. وَذَلِكَ أَنَّ وَصْفَهُمْ بِأَنَّهُمْ ظَلَمُوا تَعْلِيلٌ لِأَخْذِهِمْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ، عَلَى قَاعِدَةِ كَوْنِ بِنَاءِ الْحُكْمِ أَوِ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَقَّ مِنْهُ عِلَّةٌ لَهُ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُؤَاخِذُ كُلَّ ظَالِمٍ فِي الدُّنْيَا بِكُلِّ ظُلْمٍ يَقَعُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا فِي الصِّفَةِ أَوِ الْعَدَدِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِي الْكَيْفِ أَوِ الْكَمِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} (35: 45) وَقَوْلِهِ: {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} وَإِنَّمَا يُؤَاخِذُ الْأُمَمَ وَالشُّعُوبَ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ بِالظُّلْمِ وَالذُّنُوبِ الَّتِي يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِيهَا بِالْإِصْرَارِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَا أَفَادَهُ هُنَا فِي هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} وَإِنَّمَا يَكُونُ الْعِقَابُ عَلَى بَعْضِ الذُّنُوبِ دُونَ بَعْضٍ فِي الدُّنْيَا خَاصًّا بِالْأَفْرَادِ أَوَالْجَمَّاعَاتِ الصَّغِيرَةِ مِنَ الْمُذْنِبِينَ كَأَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الَّذِينَ كَانُوا بَعْضَ أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْ أُمَّةٍ كَبِيرَةٍ، وَأَمَّا الْأُمَمُ الْكَبِيرَةُ فَهِيَ الَّتِي تَصْدُقُ عَلَيْهَا سُنَنُ اللهِ فِي عِقَابِ الْأُمَمِ إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِمُ الْفِسْقُ وَالظُّلْمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (8: 25) إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْفَاسِقِينَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ كَانُوا أَقَلَّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَقَدْ عَاقَبَ اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَافَّةً بِتَنْكِيلِ الْبَابِلِيِّينَ ثُمَّ النَّصَارَى بِهِمْ وَسَلْبِهِمْ مُلْكَهُمْ، عِنْدَمَا عَمَّ فِسْقُهُمْ، وَلَمْ يَدْفَعْ ذَلِكَ عَنْهُمْ وُجُودُ بَعْضِ الصَّالِحِينَ فِيهِمْ، إِذْ لَمْ يَكُونُوا يَخْلَوْنَ مِنْهُمْ: وَالْآيَةُ نَاطِقَةٌ بِهَلَاكِ الظَّالِمِينَ الْفَاسِقِينَ، وَنَجَاةِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ نَهَوْهُمْ عَنْ عَمَلِ السُّوءِ وَارْتِكَابِ الْمُنْكِرِ، وَسَكَتَتْ عَنِ الْفِرْقَةِ الَّتِي أَنْكَرَتْ عَلَى الْوَاعِظِينَ وَعْظَهُمْ وَإِنْكَارَهُمْ، فَقِيلَ: إِنَّهَا لَمْ تَنْجُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ بَلْ أَنْكَرَتْ عَلَى الَّذِينَ نَهَوْا، وَقِيلَ: بَلْ نَجَتْ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُنْكِرَةً لِلْمُنْكِرِ مُسْتَقْبِحَةً لَهُ. وَلِذَلِكَ لَمْ تَفْعَلُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَنْهَ عَنْهُ لِيَأْسِهَا مِنْ فَائِدَةِ النَّهْيِ، وَجَزْمِهَا بِأَنَّ الْقَوْمَ قَدِ اسْتَحَقُّوا عِقَابَ اللهِ بِإِصْرَارِهِمْ فَلَا يُفِيدُهُمُ الْوَعْظُ، وَرُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي هَذِهِ الْفِرْقَةِ حَتَّى أَقْنَعَهُ تِلْمِيذُهُ عِكْرِمَةُ بِنَجَاتِهَا. وَقَدْ رَجَّحَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا قَالَ: فإن قلت: الْأُمَّةُ الَّذِينَ قَالُوا: لِمَ تَعِظُونَ؟ مَنْ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ هُمْ؟ أَمِنَ فَرِيقِ النَّاجِينَ أَمِ الْمُعَذَّبِينَ؟ قلت: مِنْ فَرِيقِ النَّاجِينَ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ فَرِيقِ النَّاهِينَ، وَمَا قَالُوا مَا قَالُوا إِلَّا سَائِلَيْنِ عَنْ عِلَّةِ الْوَعْظِ وَالْغَرَضِ فِيهِ، حَيْثُ لَمْ يَرَوْا فِيهِ غَرَضًا صَحِيحًا لِعِلْمِهِمْ بِحَالِ الْقَوْمِ، وَإِذَا عَلِمَ النَّاهِي حَالَ الْمَنْهِيِّ، وَأَنَّهُ النَّهْيُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، سَقَطَ عَنْهُ النَّهْيُ، وَرُبَّمَا وَجَبَ التَّرْكُ لِدُخُولِهِ فِي بَابِ الْعَبَثِ. أَلَّا تَرَى أَنَّكَ لَوْ ذَهَبْتَ إِلَى الْمَكَّاسِينَ الْقَاعِدِينَ عَلَى الْمَآصِرِ، وَالْجَلَّادِينَ الْمُرَتَّبِينَ لِلتَّعْذِيبِ، لِتَعِظَهُمْ وَتَكُفَّهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ، كَانَ ذَلِكَ عَبَثًا مِنْكَ، وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا سَبَبًا لِلتَّلَهِّي بِكَ. وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَإِنَّمَا لَمْ يُعْرِضُوا عَنْهُ إِمَّا؛ لِأَنَّ يَأْسَهُمْ لَمْ يَسْتَحْكِمْ كَمَا اسْتَحْكَمَ يَأْسُ الْأَوَّلِينَ، وَلَمْ يَخْبَرُوهُمْ كَمَا خَبَرُوهُمْ. أَوْ لِفَرْطِ حَصْرِهِمْ، وَجَدِّهُمْ فِي أَمْرِهِمْ، كَمَا وَصَفَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي قَوْلِهِ: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} (18: 6) اهـ.
أَقُولُ: إِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ سُقُوطِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ وُجُوبِ تَرْكِهِ فِي حَالَةِ الْيَأْسِ مِنْ تَأْثِيرٍ مَرْجُوحٍ وَلَاسِيَّمَا إِذَا أَخَذَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَأْنُ أَضْعَفِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكِرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَإِنَّمَا تَكُونُ هَذِهِ الْحَالَةُ أَضْعَفَ الْإِيمَانِ عِنْدَ عَدَمِ اسْتِطَاعَةِ مَا قَبْلَهَا، فَإِنِ اسْتَطَاعَ النَّهْيَ، وَسَكَتَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ مُطْلَقًا؛ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِي هَؤُلَاءِ السَّاكِتِينَ، الْمُحْتَمِلَةُ حَالُهُمْ لِلْعُذْرِ وَعَدَمِهِ، وَالْيَأْسُ قَلَّمَا يَنْشَأُ إِلَّا مِنْ ضَعْفٍ فِي النَّفْسِ أَوِ الْإِيمَانِ، وَكَأَيِّنٍ مِنْ مِكَّاسٍ وَجَلَّادٍ وَمُدْمِنِ خَمْرٍ تَابَ وَأَنَابَ، وَالْمُحَقِّقُونَ لَمْ يَجْعَلُوا احْتِمَالَ الْأَذَى وَلَا يَقِينَهُ مُوجِبًا لِتَرْكِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَا لِتَفْضِيلِهِ عَنِ الْفِعْلِ بَلْ قَالُوا فِي هَذِهِ الْحَالِ بِالْجَوَازِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى تَفْضِيلِ النَّهْيِ بِحَدِيثِ أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ.
وَفِي {بَئِيسٍ} عِدَّةُ قِرَاءَاتٍ أُخْرَى بَيْنَ مُتَوَاتِرَةٍ وَشَاذَّةٍ، تَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَصْلِ صِيغَتِهِ، وَعَلَى لُغَاتِ الْعَرَبِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَهْمُوزِ: فَقَرَأَهَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى خِلَافٍ عَنْهُ {بَئْيَسٍ} بِوَزْنِ ضَيْغَمٍ- وَابْنُ عَامِرٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَصْلُهُ بِئْسَ بِوَزْنِ حِذْرَ فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إِلَى الْفَاءِ لِلتَّخْفِيفِ كَكَبِدٍ فِي كِبْدٍ، وَنَافِعٌ {بِيسٍ} عَلَى قَلْبِ الْهَمْزَةِ يَاءُ كَذِئْبٍ وَذِيبٍ أَوْ عَلَى أَنَّهُ فِعْلُ الذَّمِّ وُصِفَ بِهِ فَجُعِلَ اسْمًا، وَمِنَ الشَّوَاذِّ {بَيِّسٍ} كَرَيِّسٍ عَلَى قَلْبِ الْهَمْزَةِ يَاءً، وَإِدْغَامِهَا، و{بَيْسٍ} كَهَيْنٍ عَلَى تَخْفِيفِ الْمُشَدِّدَةِ، و{بَائِسٍ} بِوَزْنٍ فَاعِلٍ.
{فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ} أَيْ: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ عُتُوَّ إِبَاءٍ وَاسْتِكْبَارٍ عَنْ تَرْكِ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ الْوَاعِظُونَ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ هَذَا الْقَوْلُ لِلتَّكْوِينِ، أَيْ: تَعَلَّقَتْ إِرَادَتُنَا بِأَنْ يَكُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ أَيْ صَاغِرِينَ أَذِلَّاءَ فَكَانُوا كَذَلِكَ.
قِيلَ: إِنَّ هَذَا بَيَانٌ وَتَفْصِيلٌ لِلْعَذَابِ الْبَئِيسِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَقِيلَ هُوَ عَذَابٌ آخَرُ، وَإِنَّ اللهَ عَاقَبَهُمْ أَوَّلًا بِالْبُؤْسِ وَالشَّقَاءِ فِي الْمَعِيشَةِ؛ لِأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يُرَبِّيهِ وَيُهَذِّبُهُ إِلَّا الشِّدَّةُ وَالْبُؤْسُ كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُرَبِّيهِ وَيُهَذِّبُهُ الرَّخَاءُ وَالنِّعْمَةُ، وَبِكُلٍّ يَبْتَلِي اللهُ عِبَادَهُ وَيَمْنَحُهُمْ كَمَا قَالَ: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} (21: 35) وَقَالَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (7: 168) وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَمْ يَزِدْهُمُ الْبُؤْسُ وَالسُّوءُ إِلَّا عُتُوًّا وَإِصْرَارًا عَلَى الْفِسْقِ وَالظُّلْمِ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ، وَمَسَخَهُمْ مَسْخَ خُلُقٍ وَبَدَنٍ فَكَانُوا قِرَدَةً بِالْفِعْلِ، أَوْ مَسْخَ خُلُقٍ وَنَفْسٍ، فَكَانُوا كَالْقِرْدَةِ فِي طَيْشِهَا وَشَرِّهَا وَإِفْسَادِهَا لِمَا تَصِلُ إِلَيْهِ أَيْدِيهَا، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَالثَّانِي قَوْلُ مُجَاهِدٍ قَالَ: مُسِخَتْ قُلُوبُهُمْ فَلَمْ يُوَفَّقُوا لِفَهْمِ الْحَقِّ.
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} هَذِهِ الْآيَاتُ خَاتِمَةُ قِصَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَمَا سَيَأْتِي مِنْ نَبَأِ الَّذِي آتَاهُ اللهُ آيَاتِهِ فَانْسَلَخَ مِنْهَا مَثَلٌ عَامٌّ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ كَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ فَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي قِصَّتِهِمْ، وَمُنَاسِبَةٌ هَذِهِ لِمَا قَبْلَهَا مُبَاشَرَةً أَنَّهَا بَيَانٌ لِجَرَيَانِ سُنَّةِ اللهِ الْعَامَّةِ فِي عِقَابِ الْأُمَمِ، وَانْطِبَاقِهَا عَلَى الْيَهُودِ عَامَّةً، بَعْدَ بَيَانِ عِقَابِهِ تَعَالَى لِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} تَأَذَّنَ صِيغَةُ تَفَعَّلَ مِنَ الْإِيذَانِ، وَهُوَ الْإِعْلَامُ الَّذِي يُبَلِّغُ فَيُدْرِكُ بِالْآذَانِ، وَيَتَضَمَّنُ هُنَا تَأْكِيدَ الْقَسَمِ، وَمَعْنَى الْعَهْدِ الْمَكْتُوبُ الْمُلْتَزَمُ، بِدَلِيلِ مَجِيءِ لَامِ الْقَسَمِ وَنُونِ التَّوْكِيدِ فِي جَوَابِهِ، وَالْمَعْنَى: وَاذْكُرْ أَيُّهَا الرَّسُولُ الْخَاتَمُ الْعَامُّ إِذْ أَعْلَمَ رَبُّكَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ أَنَّهُ قَدْ قَضَى فِي عِلْمِهِ وَكَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ، وِفَاقًا لِمَا أَقَامَ عَلَيْهِ نِظَامَ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ مِنْ سُنَنِهِ، لَيَبْعَثَنَّ وَيُسَلِّطَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، أَيْ يُرِيدُهُ وَيُوقِعُهُ بِهِمْ، عِقَابًا عَلَى ظُلْمِهِمْ وَفِسْقِهِمْ وَفَسَادِهِمْ، وَهُوَ مَجَازٌ مَنْ سَوَّمَ الشَّيْءَ، كَمَا يُقَالُ سَامَهُ خَسْفًا. وَسُوءُ الْعَذَابِ مَا يَسُوءُ صَاحِبَهُ وَيُذِلُّهُ، وَهُوَ هُنَا سَلْبُ الْمِلْكِ، وَإِخْضَاعُ الْقَهْرِ.
مِصْدَاقُ هَذَا وَتَفْصِيلُهُ عَلَى مَا قَرَّرْنَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} (17: 4) إِلَى قَوْلِهِ: {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} (17: 7) ثُمَّ قَالَ: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} (17: 8) الْآيَةَ أَيْ وَإِنْ عُدْتُمْ بَعْدَ عِقَابِ الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ إِلَى الْإِفْسَادِ، عُدْنَا إِلَى التَّعْذِيبِ وَالْإِذْلَالِ، وَقَدْ عَادُوا فَسَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّصَارَى فَسَلَبُوا مُلْكَهُمُ الَّذِي أَقَامُوهُ بَعْدَ نَجَاتِهِمْ مِنَ السَّبْيِ الْبَابِلِيِّ، وَقَهَرُوهُمْ وَاسْتَذَلُّوهُمْ، ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَعَادَاهُ مِنْهُمُ الَّذِينَ كَانُوا هَرَبُوا مِنَ الذُّلِّ وَالنَّكَالِ، وَلَجَئُوا إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ فَعَاشُوا فِيهَا أَعِزَّاءَ آمِنِينَ، وَلَمْ يَفُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ إِذْ أَمَّنَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَحُرِّيَّةِ دِينِهِمْ، بَلْ غَدَرُوا بِهِ وَكَادُوا لَهُ، وَنَصَرُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ، فَسَلَّطَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ فَنَصَرَهُ عَلَيْهِمْ، فَأَجْلَى بَعْضَهُمْ، وَقَتَلَ بَعْضًا، وَأَجْلَى عُمَرُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، ثُمَّ فَتَحَ عُمَرُ سُورِيَّةَ، بَعْضَهَا بِالصُّلْحِ كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَبَعْضَهَا عَنْوَةً، فَصَارَ الْيَهُودُ مِنْ سِيَادَةِ الرُّومِ الْجَائِرَةِ الْقَاهِرَةِ فِيهَا إِلَى سُلْطَةِ الْإِسْلَامِ الْعَادِلَةِ، وَلَكِنَّهُمْ ظَلُّوا أَذِلَّةً بِفَقْدِ الْمُلْكِ وَالِاسْتِقْلَالِ. وَقَدْ بَيَّنَّا حَقِيقَةَ حَالِهِمْ، وَمَا يُحَاوِلُونَهُ مِنِ اسْتِعَادَةِ مُلْكِهِمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ، وَفِي مَوَاضِعَ مِنَ الْمَنَارِ.
{إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ} لِلْأُمَمِ الَّتِي تَفْسُقُ عَنْ أَمْرِهِ وَتُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ، فَلَا يَتَخَلَّفُ عِقَابُهُ عَنْهَا كَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ بَعْضِ الْأَفْرَادِ {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (17: 16) أَيْ أَمَرْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ وَالْفَضْلِ فَعَصَوْا وَفَسَقُوا عَنِ الْأَمْرِ، وَأَفْسَدُوا وَظَلَمُوا فِي الْأَرْضِ، فَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ. بِمُقْتَضَى سُنَّتِهِ تَعَالَى فِي الْخَلْقِ، فَحَلَّ بِهِمُ الْهَلَاكُ عَلَى الْفَوْرِ.
{وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} لِمَنْ تَابَ عَقِبَ الذَّنْبِ، وَأَصْلَحَ مَا كَانَ أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ، قَبْلَ أَنْ يَحِقَّ عَلَيْهِ الْقَوْلُ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (20: 82) وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي الْيَهُودِ بَعْدَ ذِكْرِ إِفْسَادِهِمْ مَرَّتَيْنِ: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَقَلَّمَا ذَكَرَ اللهُ عَذَابَ الْفَاسِقِينَ الْمُفْسِدِينَ، إِلَّا وَقَرَنَهُ بِذِكْرِ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لِلتَّائِبِينَ الْمُحْسِنِينَ حَتَّى لَا يَيْأَسَ صَالِحٌ مُصْلِحٌ مِنْ رَحْمَتِهِ بِذَنْبٍ عَمَلِهِ بِجَهَالَةٍ، وَلَا يَأْمَنُ مُفْسِدٌ مِنْ عِقَابِهِ اغْتِرَارًا بِكَرَمِهِ وَعَفْوِهِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى ذَنْبِهِ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى كَيْفَ كَانَ بَدْءُ إِذْلَالِ الْيَهُودِ بِإِزَالَةِ وَحْدَتِهِمْ، وَتَمْزِيقِ جَامِعَتِهِمْ فَقَالَ: وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا أَيْ وَفَرَّقْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ حَالَ كَوْنِهِمْ أُمَمًا بِالتَّقْدِيرِ، أَوْ صَيَّرْنَاهُمْ أُمَمًا مُتَقَطِّعَةً، بَعْدَ أَنْ كَانُوا أُمَّةً مُتَّحِدَةً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ كَالَّذِينِ نَهَوُا الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ عَنْ ظُلْمِهِمْ، وَالَّذِينَ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِأَنْبِيَاءِ اللهِ تَعَالَى فِيهِمْ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِلَى عَهْدِ عِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَمِنْهَا نَاسٌ دُونَ وَصْفِ الصَّلَاحِ لَمْ يَبْلُغُوهُ، وَهُمْ دَرَجَاتٌ أَوْ دَرَكَاتٌ، مِنْهُمُ الْغُلَاةُ فِي الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ، كَالَّذِينِ كَانُوا يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَمِنْهُمُ السَّمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ الْأَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ شَأْنُ الْأُمَمِ الْفَاسِدَةِ فِي كُلِّ عَصْرٍ، تُفْسِدُ بِالتَّدْرِيجِ لَا دُفْعَةً وَاحِدَةً كَمَا نَرَاهُ فِي أُمَّتِنَا الْإِسْلَامِيَّةِ.